المقدمة
الحمد
لله رب العالمين و به نستعين وعلى أمور الدنيا و الدين والصلاة و السلام على أشرف
الأنبياء و المرسلين وعلى آله و صحبه أجمعين, قل الحمد لله الذى لم يتخد ولدا و لم
يكن له شريك فى الملك و لم يكن له و لي من الذلّ فكبره تكبيرا, أما بعد .
هذا المذهب أسسه غيلان الدمشقي ومعبد بن الجهمى
وكان مروان مولى لعثمان بن عفان, وهو فى دهره العالم والزاهد وكثير الدعاء إلى
الله وتوحيده وعدله. غيلان بن مسلم الدمشقى, قال أبو القاسم: هو غيلان بن مروان.
قال الحاكم: هو مولى لعثمان بن عفان أخذ المذهب عن الحسن بن محمد بن الحنفية. ولم
تكن مخالفته لأبيه وأخيه إلا فى شيء من لارجاء. وروى أن الحسن كان يقول إذا رأى
غيلان فى الوسم: أترون هذا هو حجة الله على أهل الشام ولكن الفتى مقتول. وكان واحد
دهره فى العلم و الزهد والدعاء إلى الله وتوحيده و عدله, وقتله هشام بن عبد الملك
, وقتل صاحبه صالحا , وسبب قتله: أن غيلان لما كتب إلى عمر بن عبد العزيز كتابا .[1]
سبق أن
قلنا إن في هذا العصر"عصر بني أمية."نشأت مذهبان متقابلان في الرأي أي
في حكم على أفعال الإنسان : أحدهما يقول:"إن الإنسان مجبور لا اختيار
له", وهو مذهب الجبر وصاحبه (جهم بن صفوان) وثانيها:"إن الإنسان مختار
في أفعاله حر الإرادة", وهو مذهب الاختيار, وصاحبه غيلان الدمشقي, ولقد فرعنا
من الكلام على أصل نشأة مذهب الجبر وصاحبه جهم. والآن نريد أن نتحدث عن نشأة مذهب
القدرية وصاحبه "غيلان".
ب.البحث
أ. أصل المذهب الذي نسب غيلان:
لقد كان
لغيلان -كما ذكرنا- كثيرة ولكنه لم يشهر إلا بقوله في القدر ولهذا يدعوه المؤرخون (غيلان
القدرى) وسنرى أن قوله بالقدر كان سببا في قتله. ولكن من أين حصل غيلان مثل هذا فى
القدر ؟
هنا نرى أن
المؤرخين قد اختلفوا في مصدر هذا القول عنده فبعضهم يقول أن غيلان أول من تكلم في
القدر"وبعض الآخر يقول" إن
أول من تكلم في القدر معبد بن خالد الجهنى" ويرى بعض آخر غير هؤلاء وألئك أن
غيلان أخذ القول بالقدر عن الحسن بن محمد بن الحنفية.
ولكن بعد
هذا وذاك يروى لنا بعض المؤرخين أن أصل القول بالقدر إنما هو لرجل من أهل العراق
كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر وذكرت لنا رواية أخرى إسمه بالنص لا بالوصف وأنه أبو
يونس سنسويه من الأشاعرة[2] إلا
أن معبدا هو الذي أخذ عنه
هذا الرأي لا غيلان, لكن غيلان هو الذي جادل فيه ودافع
عنه, ونشره بين المسلمين وقتل من أجله.
بناء على
هذا يكون مصدر هذا الرأي عند غيلان, وليس مصدر عقيدة المسلمين وهو الكتاب الكريم,
أو الحديث الشريف, وإنما هو خيل على المسلمين من الأمم الآخر التى دخلت تحت حوزة
الدين الإسلام وتحت كنفه. ولقد رأينا أيضا أن أصل القول بخلق القرآن, الذى نسب إلى
جهم بن صفوان, وصاحب معبد بن الجهنى, إنما نقله إلى المسلمين رجل يهودى وهو أبان
بن سمعان الذى أخذه عن طالوت اليهودى أيضا.
ب. الكلام فى القدر
اختلف
الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن الإنسان مجبور على أفعاله وأنه لا استطاعة
له أصلا وهو قول جهم بن صفوان وطائفة من الأزارقة وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإنسان
ليس مجبورا. و اثبتوا له قوة و استطاعة بها بفعل ما اختار فعله.
ثم
افترقت هذه الطائفة على فرقتين فقالت إحداهما : الاستطاعة التي يكون بها الفعل لا تكون
إلا مع الفعل ولا يتقدمه البتة و هذا قول
طوائف من أهل الكلام و من وافقهم كالبحار والأشعارى
من المبحوث
التي تعتبر تجديدات المعتزلة. مسألة الإختيار و القدرة الإنسانية, و ادرجها علماء
الكلام تحت اسم"القدرية" ومن الصعب تحديد معنى القدرية, فهى اطلقت على
الشيء ونقيضه:
- عند ابن قتيبة: هم الذين اضافوا القدرة
إلى أنفسهم على معنى أنهم أصحاب الإختيار, وهم الذين يخالفون الجبرية.
- و اطلق قديما على الجبرية الذين يقولون
بالقدر خيره و شره.
- و زيد بن علي كان يقول: ابرا من
القدرية الذين حملوا ذنوبهم على الله, ومن المرجئة الذين اطمعوا الفساق فى عفو
الله[3].
وقال بعضهم : أن الله
تعالى يخلق الخير , و أن الشيطان يخلق الشر . وهذا ما جعل الأشعرى يسميهم
"مجوس الامة".
أما
عن الفرقة القدرية, فقد سبقت المعتزلة وكان من رؤسائها الأوائل معبد الجهنى و غيلان
الدمشقى. ولما ظهر المعتزلة , أخذوا عن القدرية قولها فى نفي القدر فعلق بهم لذلك
إسمها خصوصا وأنهم يعتبرون غيلان الدمشقى واحدا منهم[4].
ولذلك, فإننا نرى ابن قتيبة الدينورى[5] و
البغدادى[6] فى
كلامهما عن القدرية و المعتزلة لا يفرقان بينهما , بل يحدثان عنهما كأنهما فرقة
واحدة.
وقال
الإمام ابن تيمية: فى آخر عصر الصحابة حدثت القدرية , و أصل بدعتهم كانت من عجز
عقولهم عن الإيمان بأمره ونهيه, ووعده ووعيده, وظنوا أن ذالك ممتنع. وكانوا قد
آمنوا بدين ثم كثر الخوض فى القدر, وكان أكثر الخوض فيه باالبصرة و الشام وبعضه في
المدينة. فصار مقتصدوهم و جمهورهم يقرون بالقدر السابق وبالكتاب المقدم, وصار نزاع
الناس فالإرادة إلا بمعنى المشيئة, وهو لم يرد إلا ما أمر به, و لم يخلق شيئا من أفعال
العباد . وقابلهم الخائضون فى القدر من المجبرة مثل الجهم بن صفوان وأمثاله,
فقالوا: ليست الإرادة إلا بمعى المشيئة, و الأمر و النهي لا يستلزم إرادة, و قالوا
: العبد لا فعل له البتة ولا قدرة بل الله هو الفاعل القادر فقط. وكان جهم مع ذالك
ينفي الاسماء والصفات.
ت
. الغرض به الكلم في أن الله تعالي قادر
اعلم أن أول ما يعرف استدلال من صفات القديم
عز وجل إنما هو كونه قادرا.و ماعداه من
الصفات يترتب عليه.لأن الدلالة التي دلت على أنه تعالي هو المحدث للعالم, دلت علي
هذه الصفة التي هي كونه تعالي قادرا من غير وسطة.و ليست كذالك باقى الصفات.لإن
نحتاج فيها إلي واسطة أو واسطين أو وسائط.ولهاذ قدمنا الكلام فيه
وتحرير الدلالة علي ذالك,هو أنه تعالي قد صح منه الفعل .وصحه الفعل تدل على
كونه قادرا. فان قيل :الدلالة هي صحة الفعل أو وقوعه,قلنا:بل الدلالة هي صحة
الفعل,لأنه أوقع لا على طريق الصفة بل على طريق الواجب .لم يدل على كونه قادرا
وهذه الدلالة مبنية على أصولين .أحدهما :أنه تعالى قد صح منه الفعل , والثانى:أن
صحة الفعل تدل على كونه قادرا
وأما الذي يدل على صحة الفعل دلالة على ناقصة من
كونه قادرا فهو أن نرى في الشاهد جملتين صح منه الفعل كالواحد منا و الآخر.
تعذر
عليه الفعل كالمريض المدنف و نصح منه الفعل فارق منه تعذر عليه بأمر من الأمور وليس ذالك إلا الصفة ترجح إلى
الجملة وهي كونه قادرا و هذا الحكم ثابت في الحكيم تعالي .فيجب أن يكون قادرا .لأن
طريق الدلالة لا تختلف شاهد غائبا
ث. العلاقة
بين القدرية و الجبرية
العلاقة بين القدرية والجبرية. القدرية والجبرية
متقابلتان تقابل التضاد؛ يقول الشهر ستانى: الجبر هو تنفي الفعل حقيقة عن العبد
وتضيفه إلى الله تعالى. والجبرية أنواع. فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد
فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً. والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير
مؤثرة أصلاً. فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرًا ما في الفعل، وسمي ذلك كسبًا فليس
بجبري[7]
والمعتزلة يسمون من لم يثبت للقدرة الحادثة أثرًا
في الإبداع والإحداث استقلالاً، جبريًا. ويلزمهم أن يسموا من قال من أصحابهم بأن
المتولدات أفعال لا فاعل لها جبريًا؛ إذ لم يثبتوا للقدرة الحادثة فيها أثرًا.[8]
والمصنفون فى المقالات عدوا"النجارية" و "الضرارية" من
"الجبارية" وكذالك جماعة "الكلامية" : من الصفاتية و
"الأشعرية" سموهم تارة "حشوية" و تارة "جبرية".
ونحن سمعنا أقرارهم على أصحابهم من "النجارية" , و "الضرارية"
فعددناهم من "الجبرية" ولم نسمع أقرارهم على غيرهم فعددناهم من
"الصفاتية".
أما
"جهم بن صفوان" وهو من "الجبرية الخالصة" فظهرت بدعته
"بترمذ" وقتله " سالم بن
أحوز المازنى" (بمرو) فى آخر ملك بنى أمية: فقد وافق المعتزلة فى نفي الصفات
الازلية.
والقدرية
يقولون: إن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها، مستحق على ما يفعله ثوابًا
وعقابًا في الدار الآخرة. والله تعالى منزه من أن يضاف إليه شر وظلم، وفعل هو كفر
ومعصية، لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا، كما لو خلق العدل كان عادلاً.
ج. آراؤه الكلامية
أما آراؤه
الكلامية فإنه كان يقول باختيار أي أن العبد قادر على أفعال نفسه فهو الذي يأتى
الخير بإرادته و قدرته و يترك الشر أو يفعله باختيار أيضا و ليس للقدر سلطان عليه.
و لقوله هذا ابن المرتضى من الطبقة الرابعة للمعتزلة.
وأما رأيه في الإيمان : فإنه كان يذهب فيه إلى
الرأي المرجئة أي الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى و رسوله عليه الصلاة
والسلام .و كل ما لا يجوز فى العقل أن يفعله, وما جاز فى العقل تركه فليس من الإيمان
.أي أن العبد إذا حقق الإيمان بالقول و المعرفة , فلا يكون مطالبا بعد هذا بالعمل إلا
على سبيل التراخى, و أن هذا التراخي في العمل يضر إيمانه, لأنه تحقق بالقول
والمعرفة.
وأما رأيه فى القرآن
: فهو كرأي جهم فى القرآن مخلوق وليس قديما . و أما رأيه فى الصفات : وهو مثل
المعتزلة فى الذهاب إلى النفي الصفات الثوبية, كالعلم, والقدرة, والإرادة أي أن
هذه الصفات عين الذات وليست غيرها ولذا دعاه الأشاعرة "بالتعطيل" و أما
المعتزلة فإنهم يقولون "إنه كان يقول بالتوحيد الله وعدله, ومعنى التعطيل فى
تعبير الأشاعرة نفي الصفات . وأما معنى التوحيد عند المعتزلة فهو عدم القول بأن
الصفات الثبوتية غير الذات بل هي عينها.[9]
وكان يقول بصحة
الإمامة من غير قريش, و أن كل من كان قائما بالكتاب والسنة يصح أن يكون إماما للمسلمين, لكن يشرط إجماعهم على إمامته. وهو
بهذا الرأي تذهب إليه الخوارج, من صحة الإمامة لغير القريشي إذا قام بإحكام الكتاب
والسنة , وأجمعت الأمة على تنصيبه. إذن تكون آراء غيلان الكلامية هي
أولا : القول بالاختيار
ثانيا : الإيمان معرفة وقول وأن العمل ليس داخلا فيه
.
ثالثا : القول بخلق القرآن
رابعا
: نفي الصفات الثبوتية
خامسا:إن
الإمامة تصلح لغير القريشي[10]
هذه
هي آراؤه الكلامية التي يتفق فيها مع بعض أصحاب الكلام ويختلف فيها مع بعض الآخر
ولهذا يعبر عنه مؤرخو الفرق بتعابر مختلفة
فتارة
يجعلونه من المعتزلي أو القدري وتارة يقولون إنه مرجئ لقوله في الإيمان بالقول
والمعرفة دون العمل. وتارة يقولون إنه خوارجى لأن رأيه في الإمامة كرأي الخوارج.
ح
. موقف القرآن من مبدإ الجبر والإختيار
ولكن لماذ لم يكن موقف القرآن صريحا فيما
يتعلق بالجبر والقدر ؟ أى لم يصرح لنا القرآن الكريم بأن الإنسان محبور على أفعاله
وأنه لا اختيار له مطلقا , وأنه كالريشة فى مهب الرياح, كما لم يصرح أيضا بأن له
القدر, ويعبر عنه تارة أخرى بما يفيد أنه مختار, فمثلا يقول فى أول السورة: (هَلْ
أَتَى عَلى آلإِنْسَانِ حِيْنٌ لَمْ يكون شَيْئٌا مذكوراْ ْ انا خلقنا الإنسان من
نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ْ إنا هدينه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)[11] .
فهذه الآية تدل بظاهرها على أن الإنسان مختار. ثم يذكر فى آخر السورة آية أخري تدل
بظاهرها على أن الإنسان مسلوب القدر وهي قوله تعالى (وما تشاءون إلآ أن يشاءالله
رب العالمين)[12]
والجواب
على هذا أن القرآن لو صرح بأن الإنسان مسلوب القدر والإختيار (مجبور) دائما لما
كان هناك معنى للمسؤولية, ولو سقطت المسؤولية لسقط الجزاء على الأعمال, فلا يكون
هناك فرق بين المحسن والمسىء. و لو صرح بأن الإنسان الإختيار المطلق للإنسان كما
أنه يكذب الإختيار المطلق له. و لكن هنا
نتساأل إلى أي مدى صحة هذا الخبر؟, و إلى أي مدى صحة هذا الاختيار؟ و إلى أي حد
يكون مقدار الجبر عند الإنسان؟ و إلى أى حد يكون مقدار الاختيار عنده؟.[13]
الدراسة النقدية
الحرية
في اختيار الفعل يطلب مسؤولية المرء في عمله, لأن كل عمل يجزي إما الثواب و إما
العقاب. ولكن القدرية ينسون بأن كثيرا من الناس الذين ارادوا النجاح فلم يتحققوا
أملهم, و علي سبيل المثال كان الزوج يريد الولد فرزق بالبنت و يريد البنت فرزق
بالولد, و يريد الولد و البنت فلم يرزق شيئا أي كان عمله غير موفق و هذا دليل واضح
بأن الله تعالي لا يزال يتدخل في عمل المرء, و من هنا بطل رأي القدرية الذي ذهب
إلي استقلال المرء المطلق في إيجاد الفعل.
الإستنتاج
إن الإنسان قادر علي أفعال نفسه و لكنه لن يتجاوز
قدرة الله تعالي.
مصادر
البحث
عبد
الجبار بن أحمد, إمام . شرح الأصول الخمسة .(القاهرة : مكتب موهوبة 1990)
عبد
الرحمن دمشقية . موقف ابن حرام من المذهب الأشعارى كما كتابه الفصل في الملل
والنحل.النشر والتوزية.دار الجميعى
فتح
الله زركشي أمل. علم الكلام التاريخ المذاهب الإسلامية وقضاياها الكلامية. الناشر : دارالسلام 2006
الأستاذ
محمد على ,عصام الدين, و على سامى النشار. فرق وطبقات المعتزلة.( القاهرة: دار
المطبوعات الجامعية) ص 38.
الفيومى
محمد ابراهيم. الفرقة الإسلامية وحق الأمة السياسى. ( القاهرة : دار الشروق 1968)،ص .
القدرية آراؤهم الكلامية
لاستيفاء بعض الواجبة لمادة علم الكلام :
الأستاذ: Dr Amal Fathullah Zarkasyi
قدمها:
Wahyudin Azhari
Rizma Elly Bagus
Yazid
كلية الشريعة قسم المعاملة
جامعة دار السلام الإسلامية
1432 هـ / 2011 م
[2] عبد
الرحمن دمشقية . موقف ابن حرام من المذهب الاشعارى كما كتابه الفصل في الملل
والنحل.النشر والتوزية.دازالجميعى
[7] الشهر ستاني , الملل والنحل,
ج1, مكتبة محمد محمود الحلبي تحقيق احمد سيد كيلانى, والقاهرة 1977 م, ص:113
[8] عبد الحالم الجندي احمدبن حنبل إمام أهل السنة
دار المعارف ,القاهرة1988, ا
0 komentar:
Posting Komentar