مقدمة:
هذا المذهب أسسه غيلان الدمشقي ومعبد
بن الجهمي وكان مروان مولى لعثمان بن عفان, وهو في دهره العالم والزاهد وكثير
الدعاء إلى الله وتوحيده وعدله.
بحث:
أ- نشأة مذهب القدرية أي مذهب الاختيار
سبق أن قلنا إن في هذا العصر "عصر بني أمية" نشأ مذهبان متقابلان
في الرأي أي في حكم علي أفعال الإنسان: أحدهما يقول: "إن الإنسان مجبور لا
اختيار له", وهو المذهب الجبر و صاحبه (جهم بن صفوان) وثانيها يقول: "إن
الإنسان مختار في أفعاله حر الإرادة", وهو مذهب الاختيار, وصاحبه غيلان
الدمشقي, ولقد فرعنا من الكلام علي أصل نشأة مذهب الجبر وصاحبه جهم, والآن نريد أن
نتحدث عن نشأة مذهب الاختيار وصاحبه "غيلان".
ب- أصل المذهب الذي نسب إلى غيلان:
لقد كان لغيلان –كما ذكرنا- آراء كثيرة ولكنه لم يشهر إلا بقوله في القدر
ولهذا يدعوه المؤرخون (غيلان القدري) و سنري أن قوله بالقدر كان سببا في قتله.
ولكنا من أين حصل غيلان مثل هذا الرأي في القدر؟
هنا نري أن المؤرخون قد اختلفوا في مصدر هذا القول عنده فبعضهم يقول أن
غيلان أول من تكلم في القدر معبد بن خالد الجهني "ويري بعض آخر غير هؤلاء
وأولئك أن غيلان أخذ القول بالقدر عن الحسن بن محمد بن الحنفية.
ج_ آراؤه الكلامية :
أما آراؤه الكلامية فإنه كان يقول باختيار أي إن العبد قادر علي أفعال نفسه
فهو الذي يأتي الخير بإرادته وقدرته ويترك الشر أو يفعله باختياره أيضا وليس للقدر
سلطان عليه. ولقوله هذا عده ابن المرتضي من الطبقة الرابعة للمعتزلة.
وأما رأيه في الإيمان: فإنه كان يذهب فيه إلى رأي المرجئة أي أن
الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسوله (عليه الصلاة والسلام).
وأما رأيه في القرآن: فهو كرأي جهم في أن القرآن مخلوق وليس قديما .
وكان يقول بصحته الإمامة من غير قريش, و أن كل من كان قائما بالكتاب والسنة
يصح أن يكون إماما للمسلمين, لكن يشرط إجماعهم علي إمامته. وهو بهذا الرأي تذهب
إليه الخوارج, من صحة الإمامة لغير القريشي إذا قام بأحكام الكتاب والسنة, وأجمعت
الأمة علي تنصيبه. إذن تكون آراء غيلان الكلامية هي:
-. القول بالاختيار
-. الإيمان معرفة وقول و أن العمل ليس داخلا
فيه
-. القول بالخلق القرآن
-. نفي الصفات الثبوتية
-. إن الإمامة تصلح لغير القريشي
هذه هي آراؤه الكلامية التي يتفق فيها مع بعض أصحاب الكلام ويختلف فيها مع
بعض الآخر ولهذا يعبر عنه مؤرخون الفرق بتعابير مختلفة.
تعقيب علي مذهب القدرية.
إن
القول بالإختيار يعطي للمرء حرية مطلقة في إيجاد فعله, دون المساس بتدخل الله فيه
مستدلا بقوله تعالي "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم",
والحرية في إختيار الفعل يطلب مسؤولية المرء في عمله, لأن كل عمل يجزي إما الثواب
و إما العقاب. ولكن القدرية ينسون بأن كثيرا من الناس الذين أرادوا النجاح فلم
يتحققوا أملهم, و علي سبيل المثال كان الزوج يريد الولد فرزق بالبنات, و يريد
البنت فرزق بالولد, ويريد الولد والبنت فلم يرزق شيئا أي كان عمله غير موفق. وهذا
دليل واضح بأن الله تعالى لا يزال يتدخل في عمل المرء, و من هنا بطل رأي القدرية
الذي ذهب إلي استقلال المرء المطلاق في إيجاد الفعل. و من أجل ذلك ستتضح صحة موقف
القرآن من الجبر و الإختيار في الستور الآتية.
د- موقف القرآن ومبدأ الجبر والإختيار
ولكن لماذا لم يكن موقف القرآن صريحا فيما
يتعلق بالجبر والإختيار؟ أي لم يصرح لنا القرآن الكريم بأن الإنسان مجبور على
أفعاله وأنه لا إختيار له مطلقا, وأنه كالريشة في مهب الرياح, كما لم بصلرح أيضا
بأن له الإختيلر, و يعبر عنه تارة أخرى بما يفيد أنه مختار, فمثلا يقول في أول
السورة: (هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا, إن خلقنا الإنسان
من نطفة أم شاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا, إنا هديناه السبيل إما شاكرا إما
كفورا). فهذه الآية تدل بظاهرها على أن الإنسان مسلوب الإختيار وهي قوله تعا لى:(
وما تشاءون إلا أن يشاءالله رب العالمين)
والجواب على هذا أن القرآن لو صرح بأن الإنسان مسلوب الاختيار (مجبور) دائما
لما كان هناك معنى للمسؤولية, ولو سقطت المسؤولية لسقط الجزاء على الأعمال, فلا
يكون هناك فرق بين المحسن المسئ.
والحق أن المذهب القرآن هو مذهب الجمع بين الآيات المتعارضة في الجبر و
الاختيار, وأن العبد لاهو جبري مطلقا ولا هو مختار مطلقا,وإنما الجمع بينهما إن صح
التعبير, وعبر سيخ ابن تيمية هذه القدية بقوله:"للعبد قدرة وإرادة وفعل وهبها
الله له, لتكون أفعاله حقيقة لا مجازا, مع إعتقاده بأن الله خالق كل شئ".وبين
البشرية ثابتة بالشعور و الحس, أن الإنسان بحسه وشعوره يتحمل عمله, وقد كلفه الله
من العمل ما يسعاه فيجب عليه أن يعمل, ولا يجوز أن يحتج في الذنوب بقدر الله تعالى
بل عليه إلا أن بفعلها.
ه-
جدال غيلان في القدر وقتله فيه
اتفق المؤرخون الذين كتبوا عن غيلان, علي أن
هشام بن عبد الملك هو الذي قتله. إلا أنهم إختلفوا في سبب قتل هشام له. فيروى ابن
المرتضي أن هشاما قتله لأنه قد رآه ينادى علي بيع ما في خزائنهم, أيام ولاه عليها
عمر بن عبد العزيز, وأنه يسبب بني أمية, فأقسم ليقتله إذا ولي هذا الأمر, فلما
ولاه نفد ما أقسم عليه وقتله, فبناء علي ما رواه ابن المرتضي, يكون قتل هشام
لغيلان سياسيا لادينا.
وأما باقي المؤرخبن فيرون ما يدل على أن هشاما قتله لقوله بالقدر, وأنه
أحضر له الأوزاعي, فقطعه هذا بعد أن سأله فى ثلاث مسائل. لم يجب غيلان علي واحدة
منها. فأخذه هشام وأمر به فقطعت يداه ورجلاه فمات. وقيل صلب حيا علي باب (كيسان)
بدمشق.
وأما جدله في هذا, فإنه كتب به إلى عمر بن عبد العزيز, ثم دعاه عمر إلي
سماع رأيه, فأقنع به, وولاه أمر الخزائن, وقيل إن عمر بن عبد العزيز لما دعاه إليه,ألزم
غيلان الحجة, ونهاه عن الكلام في هذا, فوعده غيلان ولكن لما مات عمر بن عبد
العزيز, رجع إلى رأيه, وأخذ يدعو إليه, فقتله هشام ابن عبد الملك لهذا.
إستنباط:
لا يتم إيمان الإنسان حتي يؤمن بالقدر خيره وشره أنه من عند الله, وأنه لا
يكون شئ فى الكون كله إلا ما قدره الله.
ووجوب الإيمان به واضح السبب لا يحتاج إلى جهد لتفهمه. فإن الأحداث التي
تجري في الكون كله وفي حياة الناس إما أن تكون- في تصور الإنسان- آتية من عند
الله, هو الذي برأها وقدرها, وإما أن تكون في تصوره آتية من عند غير الله أياً كان
المصدر الذي يتخيله. فإن كانت الأولى فقد آمن بالله حقا, وان كانت الثانية فقد
اشرك إذليس الشرك محصورا في تقديم
شعائرالتعبدلغيرالله,ولاالتحليل والتحريم من دون الله. إنما يكون الشرك في هذه
الحالة في أصل الإعتقادفي"لاإله الاالله".
إن المعني الأول لا إله إلا الله هوأنه ليس في هذا الكون كله إله متصرف في
شؤنه إلاالله ومن ثم تترتب المعاني الآخري: انه لامعبود يستحق العبادة إلا لله.
ولا أحد تنبغي له الطاعة
إلالله.ولاحاكمية إلالله.
مصادر البحث:
الأستاذ الدكتور أمل فتح الله زركشي, علم
الكلام, تقديم: الدكتور محمد هداية نور واحد, جامعة دارالسلام للطباعة
والنشر كونتور,فونوروكو,إندونيسي, ۲۰۱۱
محمد قطب, مقرر علم التوحيد, الطباعة
الثالثة, المملكة العربية السعودية, ۱۹۸۱–١٤٠۱
0 komentar:
Posting Komentar