مقدمــة
الحمد
لله المتصف بمحاسن الأسماء والصفات، العالي على جميع المخلوقات الذي شهدت له
بالربوبية جميع الكائنات. وأقرت له بالألوهية كل المصنوعات وأشهد أن لا اله الا
الله وحد لا شريك له في الأرض والسموات. ولا مثيل له في الأسماء والصفات ليس كمثله
شىء وهو السميع البصير.
وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، والصلاة والسلام على ذلك
الرسول العظيم، الاتي بتوحيد الذات والأفعال، والصفات وعلى اله وأصحابه أولي
الهداية والدراية والدرجات.
لا
أظن أن أحدا يخالف في أن عقيدة أولئك الرجال كانت هي العقيدة الصافية صفاء ماء
البحيرة جال سكون الرياح القوية قوة الجبال الرواسي المتينة متانة العروة الوثقى.
وقد عير الله بأصحاب تلك العقيدة مسار التاريخ الانساني، فهل نلام اذ عدنا الى
العقيدة والى منابعها، تلك المنابع التي نهد منها الأبرار الأخيار من سلفنا
الصالح.
وشخصية
أبي الحسن الأشعري تمثل تلك العقيدة الصافية فهو أي أبي الحسن من الشخصيات
الاسلامية التي امتازت بنفاذ الذهن، وبعد الغور ووفرة المحفوظ، وعرف بالزهد
والعفة. فكان له اتباع غير محصور العدد من أدنى الشرق الى أقصى المغرب. فكان علينا
وبعد مرور هذا الزمن احياء هذا التراث الجلل ونشره بين هذا الجيل وفاء لعلمائنا
واعترافا بفضلهم واحتراما لجهودهم وهذا هو دافعي في عرض هذا البحث.
لمحة
عن حياة أبي الحسن الأشعري
اسمه
وكنيته ولقبه .
هو أبو الحسن على بن
اسماعيل بن أبي بشر اسحاق بن سالم، بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي
بردة، بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي موسى عبد الله بن قيس بن حضار
الاشعري اليماني البصري.
ويكنى:
الأشعري لانه من ولد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري. وقد لقب
الأشعري بعد مماته بناصر الدين، جاء في كتاب ابن عساكر ((... ونودي على جنازة ناصر
الدين )) [1]
موطنه
ومولده
تجمع
المصادر المترجمة للأشعري على أن مولده كان بالبصرة، وأنه نشأ بها وظل بها فترة
طويلة من حياته ثم غادرها وسكن بغداد الى أن توفي بها ولهذا يقولون عنه: بصري سكن
بغداد[2].
الأطوار
الفكرية في حياة الامام عبد الحسن الأشعري
لا
شك أن الانسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، اذ هي التي تتولى تكوينه ثم توجيهه فكريا
وعقديا، وأول من يتأثر بهم الانسان هم أبواه وأسرته فلا يكاد ينفك من اعتناق أي
فكر أو رأي أو عقيدة تتبناها أسرته والى هذا يشير قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
وبعد
ذلك يخرج الانسان عن محيطه الصغير يحمل فكرا وعقيدة الى محيط أكبر الذي لا شك انه
يحمل عدة ترسبات فكرية وعقدية مما يخلق نوعا من التصادم والصراع بين فكره وفكر
محيطه فيتحمس لفكره في فترة أولية ثم بعد ذلك يحاول أن يوازن ويعدل ليمكنه التعايش
مع مجتمعه الكبير.
مناظراته
مع الجبائي
تدور
أشهر مناظراته مع الجبائي حول وجوب الصلاح والأصلح على الله وأسماء الله هل هي
توقيفية؟
وجوب
الصلاح والأصلح على الله
قال
أبوالحسن سائلا استاذه الجبائي:
أيها
الشيخ: ما تقول في ثلاثة مؤمن وكافر وصبي؟ فقال الجبائي: المؤمن من أهل
الدرجات والكافر من أهل الهلكات والصبي من أهل النجاة.فقال أبو الحسن الأشعري: فان
أراد الصبي أن يرقى الى أهل الدرجات هل يمكن؟قال الجبائي: لا فانه يقال له: ان
المؤمن انما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها. قال الأشعري: فان قال: التقصير
ليس مني، فلو احييتني كنت عملت الطاعات كعمل المؤمن. قال الجبائي: تقول له الله: أعلم
انك لو كنت بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك وأمتك قبل أن تنتهي الى سن التكليف. قال
الأشعري: فلو قال الكافر يا رب علمت حاله كما علمت حالي، فهلا راعيت مصلحتي مثله. قال
الجبائي: انك مجنون. فرد الأشعري: بل وقف حمار الشيخ في العقبة[3]
وهنا
يختلف مفهوم العدل عند المعتزلة عنه عند الأشعري، اذ كان العدل عند المعتزل مبدأ
رئيسيا في الفعل الالهي وأصلا يحكم المشيئة، بينما هو مبدأ تابع للمشيئة لدى
الأشعري.
بأسماء
الله هل هي توفيقية:
يروى
أن رجلا دخل على الجبائي فقال له: هل يجوز أن يسمى الله عاقلا. فقال
الجبائي: لا لأن العقل مشتقا من العقال وهو المانع والمنع في حق الله محال فامتنع
الاطلاق. قال أبو الحسن: فقلت له: فعلى
قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما لان هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة
المانعة للدابة عن الخروج، فاذا كان اللفظ مشتقا من المنع على الله محال لزمك أن
تمنع اطلاق اسم حكيم عليه سبحانه وتعالى. فقال له الجبائي: فلم منعت أنت أن
يسمى الله سبحانه وتعالى عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما
فقال
له الأشعري: لأن طريقي في أخذ اسماء الله الاذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت
حكيما ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه ولو أطلقه لأطلقته
من
هذا يمكن أن نقول أن الأشعري اتخذ موقفا من الأسماء يتمثل في أنها توقيفية ولا
مجال للعقل في تحديدها.
حكاية
الرؤيا
في
مقدمة الأسباب التي ذكر ابن عساكر في تحول الأشعري يذكر رواية عن أحمد بن الحسين
المتكلم قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: ان الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في
كلام الاعتزال كان يورد الاسئلة على استاذيه في الدرس ولا يجد فيها جوابا شافي
تحير في ذلك فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من
العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت اليه بعض ما بي من المر فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم. عليك بسنتي وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن
والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا
مؤلفاته
يحكى
أن الأشعري كان قويا في المناظرة والجدل غير انه لم يكن كذلك في التصنيف يقول أبو
محمد الحسن بن محمد العسكري:(( وكان صاحب نظر في المجالس وذا اقدام على الخصوم ولم
يكن من أهل التصنيف وكان اذا أخذ القلم يكتب ربما ينقطع وربما يأتي بكلام غير
مرضي...))[4] .والواقع
أن الأشعري خلف لنا مؤلفات كثيرة أوصلها بعضهم الى اكثر من مائتين وثلاثمائة مصنف
وفي ذلك ما يدل على سعة علمه وينبىء الجاهل به عن غزارة فهمه[5].
موقفه
من مسألة وجود النظر أو ( العقل والنقل )
يقول
الأشعري في مقدمة كتابه الابانة: أما بعد فإن الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل
القدر... مالت بهم أهواؤهم الى تقليد رؤسائهم، ومن مضى من اسلافهم، فتأولوا القرآن
على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا، ولا أوضح به برهانا، ولا نقلوه عن رسول
رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين ...))[6]
وفي
المقابل ذكر عقيدته بأنها هي عقيدة أهل الحق والسنة في باب ذلك عنوانه فقال: قولنا
الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه
السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان
يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل
مثوبته،- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون .
فهل
معنى هذا أنه اقتصر على تأييد عقيدة أهل السنة مجملة وترك النظر والكلام؟ لقد ظهرت
أقولا أهل البدع وانتشرت في عصر الأشعري وجعل رسالته وهدفه الرد عليهم بحكم ما فرض
الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق [7]
وهكذا
تصدى الأشعري للرد على المعتزلة، وكشف انحرافاتهم فكان عليه أن يلحن بمثل حجتهم
وأن يتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع شبهاتهم، كما تصدى للرد على الفلاسفة
والقرامطة والباطنية وأضرابهم وكثير من هؤلاء لم يكن يفحمه إلا الأقيسة المنطقية
والدليل العقلي.كل هذا كان دافعا للأشعري أن يستخدم العقل في مجال المعرفة ويجعله
خاضعا للنصوص الثابته وبرع في ذلك بسبب تخرجه على المعتزلة.ورغم تأييده لعقيدة أهل
السنة فإن هذا المنحى – استخدام العقل – الذي سار عليه كان من أهم الأسباب التي
دفعت الحنابلة الى معاداته، وفي سبيل تبرير موقفه هذا، ألف رسالة. استحسن فيها
الخوض في علم الكلام وبين فيها أن الاقتصار على النقل واقصاء العقل في تأييد ما
ورد به من حقائق خاطىء لا يقول به إلا مقلد جاهل يقول الأشعري: إن طائفة من الناس
جعلوا الجهل رأسمالهم وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ومالوا إلى التخفيف
والتقليد وطعنوا على من فتش عن أصول الدين ونسبوه إلى الضلال وزعموا أن الكلام في
الحركة والسكون وصفات الباري بدعة وضلالة.
ثم
تصدى لهم بعد ذلك بالأدلة النقلية الدالة على صحة النظر والاستدلال فاستدل بقوله
تعالى حكاية عن سيدنا ابراهيم فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل
قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني
ربي لأكونن من القوم الضالين . ( الأنعام 77-76 ).
منهجه
في اثبات وجود الله
إن
مفهوم الإيمان عند الأشعري هو التصديق القلبي، وهو اعتقاد المعتقد صدق من يؤمن به
لذلك كان أول الواجبات عند الأشعري هو معرفة الله تعالى [8]
من حيث وجوب وجوده ووحدانيته وسائر صفاته من نحو العلم والقدرة والارادة وجميع
الاحكام المتعقلة به عز وجل وكذلك صانعيته تعالى للعالم[9]
اذا
تتبعنا كتب الأشعري التي أيدينا نجد أنه اتبع ثلاث طرق في اثبات الصانع.
طريق
النظر في الأنفس امتثالا للآية الكريمة [10]:
(( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) ( الذاريات الأية: 21 )
يشرح
الشهر ستاني منهج الأشعري في اثبت وجود الله بقوله: (( ربما سلك أبو الحسن رحمه
الله طريقا في اثبات حدوث الانسان وتكونه من نطفة امشاج وتقلبه في أطوار الخلقة
واكوار الفطرة ولسنا نشك في أنه ما غير ذاته ولا بدل صفاته ولا الأبوان ولا
الطبيعة فيتعين احتياجه الى صانع قديم . اذ يقول الأشعري: (( الدليل على أن للخلق
صانعا صنعه ومدبرا دبره ان الانسان الذي هو في غاية الكمال والتمام كان نطفة ثم
علقه ثم مضغه ثم لحما وعظما ودما وقد علمنا ان لم ينقل نفسه من حال الى حال)) وقد استمد دليله هذا من قوله تعالى: (( ولقد
خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة
علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا
آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )) المؤمنون 12-14
طريق
الحدوث[11]
: يرى ابن تيمية أن الأشعري استدل
بالحوادث على حدوث ما قامت به من بناء على امتناع حوادث لا أول لها ثم جعل تلك
الجواهر التي ذكر أنه دل على حدوثها هو الدليل على ثبوت الصانع.
طريق
المعجزة: وقد سلك هذه الطريقة العلماء، لاثبات
وجود الله اذ الانبياء والرسل قد أجرى الله على أيديهم معجزات تثبت صدقهم فيما اخبروا
به وأول شيىء تثبته هو أن هناك مرسلا لذلك الرسول ووجود خالق واحد.
في
الأسماء والصفات
نتناول
هذا المبحث من جانب الطريق الذي سلكه في اثبات الأسماء والصفات وحقيقة الاسم عند
الأشعري ثم العلاقة بين الاسم والصفة ثم تقسيمات علماء الكلام للصفات وبعد ذلك
نفصل في الصفات التي اثبتها الأشعري لله سبحانه وتعالى.
طريق
اثبات الأسماء: يتبن من خلال رد الأشعري على
استاذه الجبائي في مناظرته معه أن الأسماء عند الأشعري توقيفية وأنه لا يثبت لله
الا ما اثبته لنفسه من الأسماء، ونرى الأشعري يكرر نفس الكلام في كتابه اللمع حيث
قال: (( الأسماء ليست ألينا ولا يجوز لنا أن نسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه
ولا سماه به رسوله ولا أجمع المسلمون عليه ولا على معناه )) .
وفي
هذا الباب نجد الأشعري تابعا لمذهب أهل السنة اذ يثبتون لله عز وجل كل اسم سمى به
نفسه[12].
أما
الأشعري فنراه في كتاب الابانه يقول: من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا .ونجد
ابن فورك في كتابه المجرد يروي رأيا آخر للأشعري في هذا الباب حيث يقول: المعروف
من مذهبه في معنى الاسم والذي نص عليه في كثير من كتبه منها النقض على الجبائي
والبلخي ان الاسم ليس هو المسمى على خلاف ما ذهب اليه المتقدمون من أصحاب الصفات
فمن ذلك ما قال في كتاب نقص أصول الجبائي ان أسماء الله هي صفاته ولا يقال لصفاته
هي هو ولا غيره .
ولا
شك أن الأشعري كان من مثبتي الصفات اذ الأسماء عنده هي الصفات كما جاء على لسان
ابن فورك فاثباته للأسماء هو اثبات للصفات في نفس الوقت
الصفات
الذاتية
يثبت
الأشعري لله تعالي الصفات الذاتية :التي ورد بها الشرع مجمله فالصفات عنده توقيفيه
ما ورد به الشرع يثبته وما نفاه عنه ينفيه والصفات التي يتوسع في اثباتها والتي
ورثها عنه الأشاعرة من بعده هي: العلم والحياة والسمع والبصر والكلام والقدرة والإرادة
ويستدل عليها بأدلة نقلية وعقلية.
ثم
هناك صفات أخرى كاليدين والوجه والعينين والرضا والغضب هذه الصفات انقسم اتباعه من
بعده الى مؤولين ومفوضين بمعانيها الى الله سبحانه وتعالى[13].
أدلته
النقلية
صفة العلم: وهي صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى
وقد استدل الأشعري لهذه الصفة بقوله تعالى: (( أنزله بعلمه )) ( من سورة النساء /
166 ) وقوله عز وجل، (( وما تحمل من انثى ولا تضع إلا بعلمه )) ( فاطر / 11 )
وقوله تعالى: (( فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله )). ( هود 14 )
كذلك ما جاء في الآية الكريمة: (( ولا يحيطون بشيىء من علمه إلا بما شاء الله )) (
البقرة / 255 ).
صفة
الحياة: يرى الأشعري أن الله حي بحياة ولم يورد الأشعري أي دليل من الكتاب والسنة
ولعل السبب أن هذه الصفة لم يكن المعتزلة يختلفون معه فيها فتبقى أدلتهم هي أدلته،
كذلك كما قلنا أن كتبه كانت ترد على المعتزلة، والآيات الدالة على أن الله حي
كثيرة نذكر من بينها قوله تعالى: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ))[14].
صفة
القدرة: ينهج الشعري منهج السلف الصالح ويثبت هذه الصفة للباري عز وجل ويستدل
عليها بقوله تعالى: (( ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة )) ( فصلت15
)، وقوله عز وجل: (( ذو القوة المتين )) ( الذاريات / 58 ) وقوله عز وجل: ((
والسماء بنيناها بأيد )) ( الذاريات / 47 ). وهذه الصفات الثلاث يثبتها المعتزلة
لله تعالى ولا يختلفون مع الأشعري في اثباتها. وقد اثبتها الأشعري بأدلة من الكتاب
والسنة والاجماع.
فمن
الكتاب قوله تعالى: (( ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بامره )) ( الروم:25 )
وأمر
الله هو كلامه: (( انما قولنا لشيىء أذا اردناه ان نقول له كن فيكون )) (
البقرة:98 ) وقول الله كلامه . ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من
أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان )).كما استدل على الكلام باجماع الصحابة
والعلماء من بعدهم كما كانت هذه المسألة من المسائل التي اثبتها الأمام أحمد بن
حنبل الذي يعده الأشعري اماما له كما جاء على لسانه في الابانة عن أصول الديانة. ولقد
أولى الأشعري هذه الصفات السبع اهمية قصوى فاستدل عليها بأدلة نقلية وعقلية نجد
ذلك في كتابيه اللمع والابانة وفيما يلي نورد أدلة العقلية.
أدلته
العقلية
المتصفح لكتابي الأشعري اللمع والابانة يرى أن
ادلته العقلية في اثبات ما قدمناه من الصفات تتمثل في وضعه صفتين متقابلتين
إذا لم يوصف الأشعري بهذه الصفة وصف بضدها
فإذا لم يكن موصوفا بالعلم كان موصوفا بضد العلم من الجهل أو الشك كذلك إذا لم يكن
قادرا كان موصوفا بضد القدرة من العجز وإذا
لم يكن موصوفا بالحياة كان موصوفا بصد الحياة من الموت ويقول ابن تيمية أن
هذه من الطرق التي اتبعتها الأئمة ومن اتبعه من نظار السنة في هذا الباب، فكان
بذلك ظهور فعله سبحانه في خلقه دليلا على حياته وظهور ذلك الفعل بما يشتمل عليه من
احكام ونظام واتقان دليلا على علمه وقدرته لأن ذلك يستحيل أن يصدر من متصف بأضداد
تلك الصفات من موت وعجز وجهل يقول الأشعري: فان قال قائل: لم قلتم أن الله تعالى
عالم: قيل له لان الأفعال المحكمة لا تتسق في الحكمة الا من عالم... ولو جاز أن
تحدث الصنائع الحكمية لا من عالم لم ندر هل جميع ما يحدث من حكم الحيوان وتدابيرهم
يحدث منهم وهم غير عالمين فلما استحال ذلك دل على ان الصنائع الحكمية لا تحدث الا
من عالم[15].
الصفات
الذاتية الخبرية
والصفات
الذاتية الخبرية يثبتها الأشعري وقد نقل عنه الحافظ ابن كثير أنه كان ينفيها ثم
رجع عن القول بنفيها . أما الأستاذ محمد أبو زهرة فيرى أنه قد اثبتها في كتابه
الابانة وأولها في كتاب اللمع وعلى هذا يكون الأشعري قد أثبتها في الأول ثم رجع عن
القول باثباتها اذ أنه يرى أن الابانة أسبق في التأليف مع اللمع يقول:... فهو في
الابانة كان يمنع تأويل اليد بالقدرة والوجه بالذات ويلزم الأخذ بظواهر النصوص
ولكن في اللمع يقرر ذلك التأويل وهو في الحقيقة ليس بتأويل ولكنه أخذ بمجاز مشهور
والمجاز المشهور لا يبعد تاويلا .
اما
الامام ابن تيمية فيرى أن الامام الأشعري قد اثبتها ولا ينسب اليه أي قول ثان في
شأنها يقول رحمه الله: أما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه فلم يختلف قولهم في اثبات
الصفات الخبرية وفي الرد على من يتأولها كمن يقول استوى بمعنى استولى وهذا مذكور
في كتبه كلها كالموجز الكبير والمقالات الصغيرة والكبير والابانة وغير ذلك وهكذا
نقل سائر الناس عنه حتى المتاخرون كالرازي والأمدي ينقلون عنه اثبات الصفات
الخبرية ولا يحكون عنه في ذلك قولين: فمن قال: إن الأشعري كان ينفيها وأن له في
تأويلها قولين فقد افترى عليه، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي
ونحوه فان هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة .
هذا
ما وقفت عليه من آراء العلماء في موقف الأشعري من الصفات الخبرية عامة.
رؤية
الله يوم القيامة
من بين الاشكالات التي اهتم بها الأشعري وأولادها
اهتماما بالغا جعله يخصص لها بابين في الابانة مسألة رؤية الله يوم القيامة، وهي
من بين أول المسائل التي خرج على معتقده فيها اثر خروجه على الاعتزال مما ينبىء
انها كان من الاشكالات المتنازع حولها في عصره.
وقد
أنكر المعتزلة رؤية الله يوم القيامة وأولوا الآيات التي تفيد ذلك اذ انها مناقضة
للاصل الأول لديهم، ألا وهو التوحيد فقد كانوا يقولون: ان الله لا يحيط به مكان،
ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الاماكن... ولا تدركه الحواس...
ولا تراه العيون ولا تدركه الابصار . بينما ذهب أهل التشبيه والحشوية الى أن الله
يرى مكيفا محدودا كسائر المرئيات[16]
.
لقد
قدم الأشعري لجواز رؤية الله بالأيصار أدلة سمعية وعقلية.
الأشعري
للقدر
يقول الأشعري: وهذا يدل على بطلان
قول القرية الذين يقولون ان الله عز وجل لا يعلم اليء حتى يكون، لأن الله عز وجل
اذا كتب ذلك وامر بأن يكتب فلا يكتب شيئا لا يعلم جل عن ذلك وتقدس . ويقول في موضع
آخر بعد ان سرد قول الله عز وجل مخبرا عن اهل النار وانهم (( قالوا ربنا غلبت
علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين )) ( المؤمنون 106 ) وكل ذلك بامر قد سبق في علم
الله عز وجل ونفذت فيه ارادته وتقدمت فيه مشيئته. فمما سبق يمكن أن نستشف تعريفا
للقدر عند الأشعري أنه هو الايمان بتقدم علم الله سبحانه بما يكون في اكساب الخلق
وغيرها من المخلوقات وكتابته لها ومشيئته لها. وبهذا التعريف تتبين لنا العلاقة
بين القدر ومسألة افعال العباد فهذه الاخيرة جزء من تلك المسألة الشائكة، والأشعري
من مثبتي القدر الا انني هنا سافصل الحديث عن خلق الله أفعال العباد واكسابهم ام
الجوانب الأخرى من المسألة كالهدى والضلال وجواز تكليف ما لايطاق فساذكرها موجزة
من خلال عرض للمسألة – خلق أعمال العباد [17].
ان الأشعري في ما ذهب اليه من أن
افعال العباد مقدرة لله تبارك وتعالى لا يخرج شيء منها عن قدرته ومشيئته، موافق
للسلف[18].
الايمان
الايمان عند الأشعري هو التصديق
بالله فقط، ولهذا يرى الفاسق من اهل القبلة مؤمن بايمانه، فاسق بفسقه وكبيرته، ولا
يجوز أن نقول أنه لا مؤمن ولا كافر كما ذهبت اليه المعتزلة، لانه: لو كان الفاسق
لا مؤمنا ولا كافرا، لم يكن منه كفر ولا ايمان، ولكان لا موحدا ولا ملحدا ولا وليا
ولا عدوا. فلما استحال فاذا كان الفاسق مؤمنا قبل فسقه، بتوحيده، فحدوث الزنا بعد
التوحيد لا يبطل اسم الايمان الذي لا يفارقه .
ويرى عبد القاهر البغدادي أن
الأشاعرة اختلفوا في الايمان على ثلاثة مذاهب:
فقال أبو الحسن الأشعري: ان
الايمان هو التصديق لله ورسوله عليه السلام في اخبارهم ولا يكون هذا التصديق صحيحا
الا بمعرفته والكفر عنده هو التكذيب.
وقال الباقون من أصحاب الحديث: انا
الايمان جميع الطاعات فرضها ونفلها وهو على ثلاثة أقسام: قسم منه يخرج صاحبه من
الكفر ويتخلص به من الخلود في النار ان مات عليه وهو معرفته بالله تعالى وبكتبه
ورسله وبالقدر خيره وشره من الله مع اثبات الصفات الأزلية لله تعالى ونفي التشبيه
والتعطيل عنه ومع اجازة رؤيته واعتقاد سائر ما تواترت الاخبار الشرعية به. وقسم
منه يوجب العدالة وزوال اسم الفسق عن صاحبه ويتخلص من دخول النار وهو أداء الفرائض
واجتنا الكبائر. وقسم منه وجب كون صاحبه من السابقين الذين دخلوا الجنة بلا حساب
وهو أداء الفرائض والنوافل مع اجتناب الذنوب كلها[19]
استنباط
كان هذا هو الامام الجليل ابو
الحسن الأشعري الذي دافع عن السنة دفاعا حارا، وفضح المعتزلة وكشف عوراتهم، وقد
تمكن من ذلك بسبب دراسته عنهم واخذه معينهم لفترة غير يسيرة مكنته من معرفة أدلتهم
وحججهم وبراهينهم ومعرفة مواطن الضعف والقوة.
ولم يكن الأشعري وحده الذي حاول
الدفاع عن السنة والرد على المعتزلة فالذين تولوا ذلك كثير كابن حزيمة في كتابه
التوحيد وصفات الرب وعثمان بن سعيد الدرامي والنسفي... الخ. والشيء الذي ميزه عن
هؤلاء وهو سر عظمته وجلاله هو أنه اتخذ طريقا وسطا بين المعتزلة والمحدثين فلم
يذهب الى تمجيد العقل والايمان بأن له سلطة لا تحد، وان له الحكم على ما يتصل
بالذات والصفات وما وراء الطبعيات، وأن له الكلمة الأخيرة النافذة في كل موضوع كما
ذهب المعتزلة، كما أنه لم يذهب كما ذهب كثير من اهل عصره الا أن الدفاع عن العقيدة
الاسلامية والانتصار للدين يستلزمان انكار العقل وقوته الى حد ما وازدرائه، وأن
السكوت عن هذه المباحث التي أثيرت بحكم تطور العصر، والتزاوج الفكري بين الامم
والديانات الخرى والمسلمين أولى وأفضل، بل بالعكس من ذالك فقد عنى بهذا المباحث،
لانها كانت تخرب العقيدة الاسلامية من الداخل وتضعف الثقة بالدين، وناقش المعتزلة
والمتفلسفين والمسيحيين واليهود بنفس أساليبهم ولغتهم امتثالا لأمر الرسول صلى
الله عليه وسلم: (( كلموا الناس على قدر عقولهم، أتريدون ان يكذب الله ورسوله )).
ومنهج الأشعري في بناء العقيدة
يقوم على النقاط التالية:
-
الخذ بكل ما جاء به الكتاب وبكل
ما جاءت به السنة لا فرق في ذلك بين السنة متواترة وآجاد ما دامت ثابتة صحيحة.
-
الخذ بظواهر النصوص في الآيات
الموهمة للتشبيه مع تنزيه الله تعالى عن الشبيه والنظير فهو يعتقد أن لله وجها لا
كوجه العبيد ويدا لا تشبه يد المخلوقات.
-
اثبات جميع الصفات التي اثبتها
الله تعالى لنفسه مع اليقين بأنها ليست كصفات المخلوقات وان اتفقت في التسمية
احيانا.
-
أن الانسان لا يخلق شيئا ولكنه
يقدر على الكسب أي يملك اختيارا وارادة وعلى هذا الكسب يدور التكليف.
-
كل ما وعد الله به نافذ ومن جملة
وعده تاميله الفاسقين والعاصين بالعفو والمغفرة يوم القيامة فيرونه رؤية صحيحة لا
يضارون فيها.
-
المشيئة الالهية بنى عليها الكثير
من آرائه في الصلاح والاصلاح في كل المسائل التي تتعلق بالقضاء والقدر كما يوردها
في تدليله على وحدانية الله...
-
المسلك الذي سلكه في الاستدلال
على العقائد مسلك النقل أولا والعقل ثانيا فهو يثبت ما جاء في القرآن والحديث وما
اجمع عليه الصحابة الكرام من اوصاف الله تعالى ورسله واليوم الاخر والحساب والعقاب
والثواب ويتجه بعد ذلك الى الأدلة العقلية والبراهين المنطقية يستدل بها على صدق
ما جاء في القرآن والسنة عقلا بعد ان أوجب التصديق بها كما هي نقلا فهو لا يتخذ من
العقل أساسا للحكم على النص ويتضح هذا من مذهبه أن العقل يمكن أن يوصلنا الى
البرهنة على وجود الله ولكنه لا يوصلنا الى التعرف على ذاته وصفاته.
فلم يحكم العقل على تأويل النصوص
أو اجرائها على ظاهرها بل اتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها..
مصادر
-
القرآن الكريم
-
السنة النبوية، كتب الآحاديث الستة
-
الابانة عن أصول الديانة دار الكتاب ط الثانية
1990م
-
مقالات الاسلاميين واختلاف المصليين تحقيق محمد
محي الدين عبد الحميد نشر المكتبة العصرية للطباعة والنشر ط 1990م
-
اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع وفيه رسالة
استحسان الخوض في علم الكلام
-
أصول أهل السنة والجماعة المسماة برسالة أهل
الثغر تحقيق الدكتور محمد السيد الجليند نشر كليات دار العلوم جامعة الأزهر
-
تبيين كذب المفترى فيما نسب الى
الامام أبي الحسن الأشعري لابن عساكر الدمشقي نشر الكتاب العربي 1979
مراجع
-
نشأة الأشعرية وتطورها تأليف جلال
محمد عبد الحميد موسى دار الكتاب اللبناني
-
مذاهب الاسلاميين تأليف الدكتور محمد عبد الرحمن
بدوي ج1 المعتزلة والأشاعرة، نشر دار القلم
-
مقدمة بن خلدون، دار القلم، بيروت ط الرابعة
1981
-
في علم الكلام دراسة فلسفية لآراء الفرق
الاسلامية في أصول الدين ج ا المعتزلة ج اا الأشاعرة تأليف الدكتور أحمد محمود
صبحي. نشر وتوزيع دار النهضة العربية ط الخامسة 1985
[1] ولا تذكر المصادر متى غادر الأشعري البصرة الى
بغداد الا تصريحها أن ذلك كان بعد تحوله عن الاعتزال. يرجع عبد الرحمن البدوي أن
ذلك كان بعد وفاة الجبائي سنة ثلاثة وثلتمائة للهجرة
[2] أما عن سنة مولده فقد اختلفت المصادر في
تحديدها: يقول الذهبي: مولده سنة ستين ومائتين وقيل بل سنة سبعين))
وذهب
ابن خلكان الا أنه ولد سنةسبعين ومائتين
[4] الامام أحمد بن علي
الفقيه ويقول: خدمت أبا الحسن بالبصرة سنين وعاشرته ببغداد الى أن توفي رحمه الله
فلم أجد أروع منه ولا أغض طرفا ولم أر شيخا أكثر حياء منه في أمور الدنيا ولا أنشط
منه في أمور الآخرة.
[6] كما بين في موضع آخر أنه تابع لأهل
الحديث وأهل السنة حيث قال بعد ذكر مقالتهم: وبكل ما ذكرنا نقول واليه نذهب، وما
توفيقنا الا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين
عن
أصول الديانة للأشعري نشر دار الكتاب العربية طبعة 14102ه / 1990م ص:13
[7] واستدل الأشعري من
السنة بما روي من أن رجلا قال: يا نبي الله إن امرتني ولدت علاما اسود وعرض بنفيه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ فقال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال:
حمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل فيها من أو رق. قال: نعم إن فيها أو
رق، قال فأنى ذلك؟ قال: لعل عرقا نزعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولعل ولدك
نزعه عرق. قال الأشعري: فهذا ما علم الله نبيه من رد الشيء إلى شكله ونظيره وهو
أصل لنا في سائر ما نحكم به من الشبيه والنظير
[8] يقول الأشعري: ... ونبههم على حدثهم بما
فيهم من اختلاف الصور والهيئات وغير ذلك من اختلاف اللغات وكشف لهم عن طريقة معرفة
الفاعل لهم بما فيهم وفي غيرهم بما يقتضي وجود ويدل على إرادته
[9] وسرد الآيات السالفة ثم قال: (( وهذا من
أوضح ما يقتضي الدلالة على حدث الانسان ووجود المحدث له من قبل أن العلم قد احاط
بان كل متغير لا يكون قديما
0 komentar:
Posting Komentar