Tafsir ( المجادلة : 11 )

بسم الله الرحمن الرحيم

}يايها الذين ءامنوا اذا قيل لكم تفسّحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم, واذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات, والله بما يعملون خبير ( المجادلة : 11 ) 

v شرح المفردات

تفسحوا: اى توسعوا وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم افسحوا عنى اى تنحّ, يفسح الله لكم: اى في رحمته ويوسع لكم في ارزاقكم, انشزوا: اى انحضوا للتوسعة على المقبلين, فانشزوا: اى فانهضوا ولايتباطؤوا, يرفع الله الذين آمنوا: اى يرفع منزلتهم يوم القيامة, و يرفع الذين أوتوا العلم درجات: اى يرفع العالمين منهم خاصة درجات في الكرامة وعلوّ المنزلة.

v   المعني الجملى

بعد ان نهى عباده المؤمنون عما يكون سببا للتباعض من التناحى بالاثم والعدوان - امرهم بما يكون سبب التواد والتوافق بين بعض المؤمنين وبعض: من التوسع فى المجالس حين اقبال الواقد والانصراف اذا طلب منكم ذلك

فاذا فعلتم ذلك رفعكم الله منازلكم في جناته وجعلكم من الابرار الذين لا خوف عليهم وهم  يحزنون.

v   الايضاح

" يايها الذين ءامنوا اذا قيل لكم تفسّحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم "

 اي يا ايها الذين امنوا بالله وصدقوا برسوله اذا قيل لكم توسعوا في مجالس رسول الله او في مجالس القتالفافسحوا يفسح الله في منازلكمفي الجنة.

اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حبان قال :( كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الجمعة في الضفة وفي المكان الضيق, وكان يكرم اهل البدر من المهاجرين و الانصار فجاء ناس منهم شابة بن قيس وقد سبقوا الي المجالس فقاموا جيال رسول الله صلي الله عليه وسلم وقالوا : السلام عليك ايها النبي ورحمة هته وبركاته, فرد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي القوم فردوا عليهم, فقاموا غلي ارجلهم ينتظرون علي ان يوسع لهم, فلم يفسحوا لهم,فسق ذلك على رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لبعض من حوله: قم يافلان, قم يافلان, فاقام نفرا بمقدار من قدم, فشق ذلك عليهم فعرفت كراهيته في وجوههم, وطعن المنافقون وقالوا: والله ما عدل علي مؤلأء ان قووما اخذوا مجالسهم واحبو القرب منه, اقامهم واجلس من ابطاء عنهم فنزلت الآية)

وقال الحسن: كان الصحابة يتساحون في المجالس القتال اذا اصطفوا للحرب فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة, ومناللآية نعلم.

1. ان الصحابة كانوا يتناقسون في القرب من المجالس رسول الله صلي الله عليه وسلم لسماع حديثه, لما فيه من الخير العميم, والفضل العظيم ومن ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( ليليني منكم أولو الأحكام والنهي)

2. الامر بالتفسح في المجالس وعدم التصام فيها متي وجد الي ذلك سبيل, لأن ذلك يدخل المحبة في القلوب, والاشراك في سماع احكام الدين.

3.   ان كل من وسع علي عباد الله ابواب الخير و الراحة, وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.

وعلي الجملة فالآية تشمل التوسع في ايصال الجميع انواع الخير الي المسلم وادخال السرور عليه, ومن ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لايزال الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه )

( واذا قيل انشزوا فانشزوا )

 اى اذا دعيتم الي القيام من مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم فقوموا, لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤثر الانفراد احيانا لتدبير شؤون الدين, او لأداء وظائف تخصه لا تؤدي او لا يكمل اداؤها الا بالانفراد.

وقد امموا هذا الحكم فقلوا: اذا قال صاحب مجالس لمن في مجالسهقوموا فينبغي ان يجاب.

ولا ينبغي لقادم ان يقيم احدا ليجلس في مجلسه; فقد اخرج ملك وبخاري ومسلم وترمذى عن ابن عمر ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ( لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا وتوسعوا ).

( يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )

 اى يرفع الله للمؤمنين بامتثال اوامره و اوامر رسوله, والعالمين منهم خاصة درجات كثيرة في الثواب والمرات الرضوان.[1] اى يرفع الله المؤمنين منكم العلماء درجات علي غيرهم, فلذلك امر بالتفاسح من اجلهم, ففيه الدليل علي رفع العلماء في المجالس, والتفاسح لهم عن المجالس الرفيعة انتهي.[2]

( والله بما يعملون خبير )

 اى والله باعمالكم ذو خبرة لا يخفي عليه المطيع عنكم من العاصي, وهو مجازيكم جميعا باعمالكم, فالمحسن باحسانه, والمسيء بالذي هو اهله او يعفو.     

v الخلاصة

انكم ايها المؤمنون اذا فسح احدكم لأخيه اذا أقبل, او اذا امر بالخروج فخرج, فلا يظنن عن ذلك نقص في حقّه بل هو رفعة وزيادة قرب عند ربه, وااله تعالى لا يضمع ذلك بل يجزي به فى الدنيا والآخرة, فان من تواضع لأمرالله رفع الله قدره ونشر ذكره.   

المراجع

·       احمد مصطفي المراغي, تفسير المراغي, المجلد العاشر, طبعة دار الفكر, 1421ه-2001م

·       محمد جمال الدين القاسمي, تفسير القاسمي, مجلد التاسع, طبعة دار الفكر, 1426ه-2005م

       

---

[1]    احمد مصطفي المراغي, تفسير المراغي, المجلد العاشر, طبعة دار الفكر, 1421ه-2001م, صفحة 12

[2] محمد جمال الدين القاسمي, تفسير القاسمي, مجلد التاسع, طبعة دار الفكر, 1426ه-2005م, صفحة 3856