تقديم:
ما هي حقيقة العلاقة بين الألفاظ ومعانيها ؟ هل تحمل حروف الدالّ ( الاسم ) قيمةً تعبيريّةً كافية للدلالة على المدلول ( المُسمّى )، أم أن الدالّ مجرّد رمزٍ مهمّته الإشارة إلى المدلول ؟
أسئلة كثيرة يمكن أن تُطرح في هذا المقام؛ فهذه القضيّة شغلت الذهن البشري منذ عهود طويلة، ودائماً كانت تجد من يحاول الإجابة عليها مُنطلِقاً من مرجعيات فكرية متعددة؛ دينية حيناً وفلسفيّة حيناً آخر.
وعلى الرغم من تعدّد الإجابات فإنها – وفي العصور جميعاً – كانت تتمحور حول نظريات ثلاث، لم يطرأ عليها أي تغيير يُذكر، بل إن التغيير الوحيد كان في أصحاب هذه النظريات وطرق البرهنة عليها.
وفي هذا البحث سنحاول التعريف بهذه النظريات والمآخذ التي أُخِذت عليها، خالصين من ذلك كلّه إلى رأي توفيقيّ نراه الأكثر منطقيّة وعقلانيّة
.
نظريات نشأة اللغة:
نظرية الوحي و الالهام
ونص هذه النظرية على أن الله سبحانه و تعالى قد أوحي إلى آدم عليه السلام و ألهمه إلى تسمية الأشياء بمسمياتها و الدليل على ذلك قوله تعالى ( و علم آدم الاسماء كلها ) .
نظرية المحاكاة:
ملخص هذه النظرية أن اللغة نشأت عن محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة المحيطة به، وأقدم الأقوال التي وصلتنا حول هذه النظرية كانت للفراهيدي وتلميذه سيبويه، فقد نقل لنا ابن جني في الخصائص ما نصّه: ( قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدّاً، فقالوا: صرّ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً، فقالوا: صرصر، وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على فَعَلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو: النقزان والغليان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال ), وقَبِل ابن جني بهذا الرأي ورجحه بقوله: ( وذهب بعضهم إلى أنّ أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوِيّ الريح وحنينِ الرعد وخرِير الماء وشحِيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزِيبِ الظبي ونحو ذلك ثم ولدتِ اللغات عن ذلك فيما بعد وهذا عندي وجه صالح ومذهب مُتقبَّل ) .
وتابعت هذه النظرية ظهورها في العصور الحديثة، فتبنّى العالم ( وتني ) ما ذهب إليه ابن جنّي بحرفيته تقريباً، إذ رأى ( أن اللغة نشأت عن طريق محاكاة الإنسان للأصوات الطبيعية التي كان يسمعها حوله )، وبالغ بعضهم في قيمة هذه النظرية كعبد الله العلايلي ( الذي يزعم أن كلّ حرف من حروف الأبجدية العربية يدلّ على معنى خاصّ، وأنّه إذا عرفت معاني الحروف أمكن معرفة معنى الكلمة العربية ولو لم تكن معروفة من قبل، ثمّ يمضي فيجعل لهذه الحروف معاني فلسفيّة لا نظنّ أنها خطرت يوماً على قلب الإنسان العربي القديم ) .
والحقّ أن هذه النظرية فيها من المبالغة ما يجاوز حدّ المعقول، فلو كانت اللغة بكاملها محاكاة للطبيعة لما تعدّدت لغات العالم،ولَكان للعالم لغةٌ واحدة لا غير.
إلاّ أن هذه النظرية تحمل شيئاً من الصواب، فبعض الألفاظ تُعتبر صدىً لأصوات الطبيعة كالحفيف والخرير والزفير والصهيل والعواء، كما أن بعض الألفاظ قد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدلالات في بعض الحالات النفسيّة، كالكلمات التي تعبّر عن الغضب أو النفور أو الكره، كما أنّه غدا معروفاً في العربية أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، وهذا ما أشار إليه سيبويه والخليل آنفاً .
والخلاصة: إننا لا نستطيع أن نردّ كلّ ألفاظ اللغة إلى محاكاة الطبيعة، كما أننا لا نستطيع أن نهمل هذه النظرية إهمالاً تامّاً، فهناك قسط لا بأس به من ألفاظ العربية يمتّ بصلة وثيقة إلى أصوات الطبيعة.
نظرية الاصطلاح :
يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة اصطلاح وتواضع يتمّ بين أفراد المجتمع، ومن ثمّ ليس لألفاظ اللغة أيّة علاقة بمسمياتها.
وأوّل من قال بهذه النظرية كان الفيلسوف اليوناني ديمقريطس الذي ( اعتبر مَنشَأ اللغة عملية تواطئيّة؛ لأن الاسم الواحد ذاته كثيراً ما يقبل عدّة مسميات، ولأنّ الشيء الواحد كثيراً ما يقبل عدّة أسماء أو قد يتبدّل اسمه ولا يتبدّل هو، وتوسعاً بهذا المبدأ انتهى ديمقريطس إلى القول بأن الأسماء تُعطى للأشياء من لدن الإنسان لا من لدن قوّة إلهيّة ) .
وعلى الرغم من سيطرة النظرة الدينية التوقيفيّة في المجتمع الإسلامي؛ فإن ذلك لم يمنع بعض اللغويين العرب من القول بالاصطلاح، وهذا ما يبدو جلياً من خلال قول ابن جنّي في الخصائص: ( أكثـر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف ) .
وتابعت هذه النظرية في العصور الحديثة استمراريتها، حيث لاقت قبولاً عند الأب الروحي للدراسات اللغوية الحديثة فردينان دوسوسير، فهو يقرّر منذ البداية أن ( الرابط الجامع بين الدال والمدلول هو اعتباطي ) ، ويبرّر ذلك بقوله: ( وحجتنا في ذلك إنما هي الاختلافات القائمة بين اللغات ووجود اللغات المختلفة ), ولكن دوسوسير ما لبث أن أقرّ بوجود شيء من العلاقة بين الدال والمدلول، إذ يرى أن ( هناك بعضاً من ملامح الرابط الطبيعي بين الدال والمدلول ) ، ثمّ يرى أن الفرد ليس لديه ( القدرة على تغيير أي شيء في علامة ما، وذلك عند ثبوتها وتمكنها في مجموعة لغوية ) .
وعلى الرغم من منطقيّة ما تطرحه هذه النظريّة فإنها تعرّضت لاعتراضات عدّة، منها الاعتراض القائل بحاجتنا إلى لغة تكون وسيلة التخاطب حتّى نتمكّن من وضع لغة، وهذه الفكرة هي التي أشار إليها كلٌّ من السيوطي ودي بونالد في العبارات التي اقتبسناها عنهما عند الحديث عن النظرية التوقيفية، كما أشار إلى الفكرة ذاتها العالم الألماني ماكس مولر الذي رأى أن ( اللغة الإنسانيّة الأولى لم تكن نتيجة تواضع واتفاق خلافاً لما ذهب إليه أصحاب النظرية التواطئيّة، إذ لو كان الأمر كذلك – وهو ما تأباه طبيعة النظم الاجتماعيّة – لوجب أن يكون في أيدي المتواضعين وسيلة للتفاهم فيما بينهم، ولا يمكن أن تكون هذه الوسيلة؛ اللغة الصوتيّة؛ لأن المفروض أن اللغة الصوتيّة هي موضوع التواضع ) .
والخلاصة: إن قسماً كبيراً من مفردات اللغة قد وُضِع عبر الاصطلاح، فما تقوم به مجامع اللغة العربية لا يعدو أن يكون اصطلاحاً وتواضعاً، ولكن ذلك لا يعني أن اللغة كلها قد وُضِعت على هذا الأساس.
نظرية التنفيس عن النفس
و تنص هذه النظرية على أن الأصل في اللغة هي الأصوات الساذجة و الانفعالية و التلقائية للأنسان الأول و تعبيره عن ألمه و فرحه و عن أحاسيسه .
نظرية الاستعداد الفطري
و تنص هذه النظرية على أصل اللغة هو أن الإنسان مزود بالقدرة على صوغ الألفاظ و هذه القدرة لا تظهر إلا عند الحاجة .
نظرية التطور اللغوي
و تأثر أصحاب هذه النظرية بنظرية التطور العام لـــ ( داروين ) و تنص على أن النمو اللغوي للطفل يشبه تطور لغة النوع الإنساني .
وجهة نظر:
إن موقفنا هو موقف توفيقي سلكه عدد من الباحثين منذ القِدم، فمنذ العصور الأولى وفّق أفلاطون بين كلٍّ من رأي هيرقليطس التوقيفي ويمقريطس الاصطلاحي، وفي العصور الوسطى في الغرب المسيحي، اعتنق لواء التوفيق القديسُ غريغوريوس حيث يقول: ( أن يكون الله قد وضع في الطبيعة البشرية كل ملكاتها المألوفة فهذا لا يعني أنّه علّة كلّ الأفعال المباشرة التي نقوم بها، أجل لقد وضع فينا ملكة بناء البيت، كما وضع فينا الملكات المحققة للأفعال الأخرى، لكننا نحن البانون لا هو، وهكذا قل عن اللغة ) .
كما ذهب القاضي أبو بكر في الشرق الإسلامي إلى التوفيق، فرأى أن تعليم الله الأسماءَ لآدم قد حصل بالإلهام، وأنه وضع في الإنسان مَلَكَة الخلق، ثمّ تركه يخلق على هواه .
وقد تابع هذا النهج الألماني ماكس مولر الذي يقول بعد أن يفنّد دعوى كلٍّ من التوقيفيّة والتواطئيّة: ( لم يبقَ إلاّ تفسير واحد معقول لهذه الظاهرة وهو أن الفضل في نشأة اللغة يرجع إلى غريزةٍ زُوِّد بها الإنسان في الأصل للتعبير عن مدركاته) .
وأرى أن اللغة هي كلّ ما تقدّم، فهي توقيف واصطلاح ومحاكاة،؛ فهي توقيف باعتبار الغريزة التي أودعها الله فينا، ومن خلال هذه الغريزة رحنا نضع الكلمات طوراً عبر محاكاة الطبيعة وأطواراً عبر التواضع والاصطلاح، ولكن إذا كان النصيب الأكبر من لغتنا قد وُضِع بالتواضع والاصطلاح؛ فما هو سبب شعورنا بتلك العلاقة الحميمة بين اللفظ ومعناه؟
إن معظم ما نشعر به من تناسب ( بين الألفاظ والمعاني أمر مكتسب نشأ بعد معرفة السامع بالمعنى لا قبله، ولذلك يتعذّر على الأجنبي أن يحسّ بشيء من هذا التناسب الدلالي الصوتي ما لم يكن على معرفة باللغة ).
هذه العلاقة المكتسبة يسميها إبراهيم أنيس؛ الصلة المكتسبة بين الألفاظ والمعاني، ويرى أن الخطأ الذي وقع فيه دارسو اللغة هو عدم التفريق بين الصلة الطبيعيّة الذاتيّة والصلة المكتسبة إذ ( لا شكّ أن بين الألفاظ ودلالاتها صلة، ولكنها صلة مكتسبة؛ أي لم تنشأ مع تلك الألفاظ أو تولد بمولدها، وإنما اكتسبتها الألفاظ اكتساباً بمرور الأيام وكثرة الاستعمال )
المراجع
ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، دون طبعة – دون تاريخ ، عالم الكتب بيروت، تحقيق : محمد علي النجار، ج:2
الأنطاكي، محمد، دون تاريخ، الوجيز في فقه اللغة، الطبعة الثانية، مكتبة دار الشرق بيروت
يُنظر: أنيس، إبراهيم، الألفاظ ومعانيها كانت رموزاً لدلالاتها، مجلة العربي الكويتية، العدد: 100، آذار 1967م
دوسوسير، فردينان، محاضرات في الألسنيّة العامّة، تر: يوسف غازي ومجيد النصر، دار نعمان للثقافة – لبنان، دون تاريخ ودون طبعة
الحاج، كمال يوسف، في فلسفة اللغة، الطبعة الثانية – 1978م ، دار النهار – بيروت
يُنظر الحاج، ص: 22، ويُنظر رأي قريب من هذا للسيوطي في المزهر، ج: 1
قدور، أحمد، المدخل إلى فقه اللغة العربية، جامعة حلب، دون طبعة، 2003م
يُنظر: أنيس، إبراهيم، الألفاظ ومعانيها كانت رموزاً لدلالاتها، مجلة العربي الكويتية، العدد: 100، آذار 1967م
نظرية الوحي و الالهام
ونص هذه النظرية على أن الله سبحانه و تعالى قد أوحي إلى آدم عليه السلام و ألهمه إلى تسمية الأشياء بمسمياتها و الدليل على ذلك قوله تعالى ( و علم آدم الاسماء كلها ) .
نظرية المحاكاة:
ملخص هذه النظرية أن اللغة نشأت عن محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة المحيطة به، وأقدم الأقوال التي وصلتنا حول هذه النظرية كانت للفراهيدي وتلميذه سيبويه، فقد نقل لنا ابن جني في الخصائص ما نصّه: ( قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدّاً، فقالوا: صرّ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً، فقالوا: صرصر، وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على فَعَلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو: النقزان والغليان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال ), وقَبِل ابن جني بهذا الرأي ورجحه بقوله: ( وذهب بعضهم إلى أنّ أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوِيّ الريح وحنينِ الرعد وخرِير الماء وشحِيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزِيبِ الظبي ونحو ذلك ثم ولدتِ اللغات عن ذلك فيما بعد وهذا عندي وجه صالح ومذهب مُتقبَّل ) .
وتابعت هذه النظرية ظهورها في العصور الحديثة، فتبنّى العالم ( وتني ) ما ذهب إليه ابن جنّي بحرفيته تقريباً، إذ رأى ( أن اللغة نشأت عن طريق محاكاة الإنسان للأصوات الطبيعية التي كان يسمعها حوله )، وبالغ بعضهم في قيمة هذه النظرية كعبد الله العلايلي ( الذي يزعم أن كلّ حرف من حروف الأبجدية العربية يدلّ على معنى خاصّ، وأنّه إذا عرفت معاني الحروف أمكن معرفة معنى الكلمة العربية ولو لم تكن معروفة من قبل، ثمّ يمضي فيجعل لهذه الحروف معاني فلسفيّة لا نظنّ أنها خطرت يوماً على قلب الإنسان العربي القديم ) .
والحقّ أن هذه النظرية فيها من المبالغة ما يجاوز حدّ المعقول، فلو كانت اللغة بكاملها محاكاة للطبيعة لما تعدّدت لغات العالم،ولَكان للعالم لغةٌ واحدة لا غير.
إلاّ أن هذه النظرية تحمل شيئاً من الصواب، فبعض الألفاظ تُعتبر صدىً لأصوات الطبيعة كالحفيف والخرير والزفير والصهيل والعواء، كما أن بعض الألفاظ قد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدلالات في بعض الحالات النفسيّة، كالكلمات التي تعبّر عن الغضب أو النفور أو الكره، كما أنّه غدا معروفاً في العربية أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، وهذا ما أشار إليه سيبويه والخليل آنفاً .
والخلاصة: إننا لا نستطيع أن نردّ كلّ ألفاظ اللغة إلى محاكاة الطبيعة، كما أننا لا نستطيع أن نهمل هذه النظرية إهمالاً تامّاً، فهناك قسط لا بأس به من ألفاظ العربية يمتّ بصلة وثيقة إلى أصوات الطبيعة.
نظرية الاصطلاح :
يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة اصطلاح وتواضع يتمّ بين أفراد المجتمع، ومن ثمّ ليس لألفاظ اللغة أيّة علاقة بمسمياتها.
وأوّل من قال بهذه النظرية كان الفيلسوف اليوناني ديمقريطس الذي ( اعتبر مَنشَأ اللغة عملية تواطئيّة؛ لأن الاسم الواحد ذاته كثيراً ما يقبل عدّة مسميات، ولأنّ الشيء الواحد كثيراً ما يقبل عدّة أسماء أو قد يتبدّل اسمه ولا يتبدّل هو، وتوسعاً بهذا المبدأ انتهى ديمقريطس إلى القول بأن الأسماء تُعطى للأشياء من لدن الإنسان لا من لدن قوّة إلهيّة ) .
وعلى الرغم من سيطرة النظرة الدينية التوقيفيّة في المجتمع الإسلامي؛ فإن ذلك لم يمنع بعض اللغويين العرب من القول بالاصطلاح، وهذا ما يبدو جلياً من خلال قول ابن جنّي في الخصائص: ( أكثـر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف ) .
وتابعت هذه النظرية في العصور الحديثة استمراريتها، حيث لاقت قبولاً عند الأب الروحي للدراسات اللغوية الحديثة فردينان دوسوسير، فهو يقرّر منذ البداية أن ( الرابط الجامع بين الدال والمدلول هو اعتباطي ) ، ويبرّر ذلك بقوله: ( وحجتنا في ذلك إنما هي الاختلافات القائمة بين اللغات ووجود اللغات المختلفة ), ولكن دوسوسير ما لبث أن أقرّ بوجود شيء من العلاقة بين الدال والمدلول، إذ يرى أن ( هناك بعضاً من ملامح الرابط الطبيعي بين الدال والمدلول ) ، ثمّ يرى أن الفرد ليس لديه ( القدرة على تغيير أي شيء في علامة ما، وذلك عند ثبوتها وتمكنها في مجموعة لغوية ) .
وعلى الرغم من منطقيّة ما تطرحه هذه النظريّة فإنها تعرّضت لاعتراضات عدّة، منها الاعتراض القائل بحاجتنا إلى لغة تكون وسيلة التخاطب حتّى نتمكّن من وضع لغة، وهذه الفكرة هي التي أشار إليها كلٌّ من السيوطي ودي بونالد في العبارات التي اقتبسناها عنهما عند الحديث عن النظرية التوقيفية، كما أشار إلى الفكرة ذاتها العالم الألماني ماكس مولر الذي رأى أن ( اللغة الإنسانيّة الأولى لم تكن نتيجة تواضع واتفاق خلافاً لما ذهب إليه أصحاب النظرية التواطئيّة، إذ لو كان الأمر كذلك – وهو ما تأباه طبيعة النظم الاجتماعيّة – لوجب أن يكون في أيدي المتواضعين وسيلة للتفاهم فيما بينهم، ولا يمكن أن تكون هذه الوسيلة؛ اللغة الصوتيّة؛ لأن المفروض أن اللغة الصوتيّة هي موضوع التواضع ) .
والخلاصة: إن قسماً كبيراً من مفردات اللغة قد وُضِع عبر الاصطلاح، فما تقوم به مجامع اللغة العربية لا يعدو أن يكون اصطلاحاً وتواضعاً، ولكن ذلك لا يعني أن اللغة كلها قد وُضِعت على هذا الأساس.
نظرية التنفيس عن النفس
و تنص هذه النظرية على أن الأصل في اللغة هي الأصوات الساذجة و الانفعالية و التلقائية للأنسان الأول و تعبيره عن ألمه و فرحه و عن أحاسيسه .
نظرية الاستعداد الفطري
و تنص هذه النظرية على أصل اللغة هو أن الإنسان مزود بالقدرة على صوغ الألفاظ و هذه القدرة لا تظهر إلا عند الحاجة .
نظرية التطور اللغوي
و تأثر أصحاب هذه النظرية بنظرية التطور العام لـــ ( داروين ) و تنص على أن النمو اللغوي للطفل يشبه تطور لغة النوع الإنساني .
وجهة نظر:
إن موقفنا هو موقف توفيقي سلكه عدد من الباحثين منذ القِدم، فمنذ العصور الأولى وفّق أفلاطون بين كلٍّ من رأي هيرقليطس التوقيفي ويمقريطس الاصطلاحي، وفي العصور الوسطى في الغرب المسيحي، اعتنق لواء التوفيق القديسُ غريغوريوس حيث يقول: ( أن يكون الله قد وضع في الطبيعة البشرية كل ملكاتها المألوفة فهذا لا يعني أنّه علّة كلّ الأفعال المباشرة التي نقوم بها، أجل لقد وضع فينا ملكة بناء البيت، كما وضع فينا الملكات المحققة للأفعال الأخرى، لكننا نحن البانون لا هو، وهكذا قل عن اللغة ) .
كما ذهب القاضي أبو بكر في الشرق الإسلامي إلى التوفيق، فرأى أن تعليم الله الأسماءَ لآدم قد حصل بالإلهام، وأنه وضع في الإنسان مَلَكَة الخلق، ثمّ تركه يخلق على هواه .
وقد تابع هذا النهج الألماني ماكس مولر الذي يقول بعد أن يفنّد دعوى كلٍّ من التوقيفيّة والتواطئيّة: ( لم يبقَ إلاّ تفسير واحد معقول لهذه الظاهرة وهو أن الفضل في نشأة اللغة يرجع إلى غريزةٍ زُوِّد بها الإنسان في الأصل للتعبير عن مدركاته) .
وأرى أن اللغة هي كلّ ما تقدّم، فهي توقيف واصطلاح ومحاكاة،؛ فهي توقيف باعتبار الغريزة التي أودعها الله فينا، ومن خلال هذه الغريزة رحنا نضع الكلمات طوراً عبر محاكاة الطبيعة وأطواراً عبر التواضع والاصطلاح، ولكن إذا كان النصيب الأكبر من لغتنا قد وُضِع بالتواضع والاصطلاح؛ فما هو سبب شعورنا بتلك العلاقة الحميمة بين اللفظ ومعناه؟
إن معظم ما نشعر به من تناسب ( بين الألفاظ والمعاني أمر مكتسب نشأ بعد معرفة السامع بالمعنى لا قبله، ولذلك يتعذّر على الأجنبي أن يحسّ بشيء من هذا التناسب الدلالي الصوتي ما لم يكن على معرفة باللغة ).
هذه العلاقة المكتسبة يسميها إبراهيم أنيس؛ الصلة المكتسبة بين الألفاظ والمعاني، ويرى أن الخطأ الذي وقع فيه دارسو اللغة هو عدم التفريق بين الصلة الطبيعيّة الذاتيّة والصلة المكتسبة إذ ( لا شكّ أن بين الألفاظ ودلالاتها صلة، ولكنها صلة مكتسبة؛ أي لم تنشأ مع تلك الألفاظ أو تولد بمولدها، وإنما اكتسبتها الألفاظ اكتساباً بمرور الأيام وكثرة الاستعمال )
المراجع
ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، دون طبعة – دون تاريخ ، عالم الكتب بيروت، تحقيق : محمد علي النجار، ج:2
الأنطاكي، محمد، دون تاريخ، الوجيز في فقه اللغة، الطبعة الثانية، مكتبة دار الشرق بيروت
يُنظر: أنيس، إبراهيم، الألفاظ ومعانيها كانت رموزاً لدلالاتها، مجلة العربي الكويتية، العدد: 100، آذار 1967م
دوسوسير، فردينان، محاضرات في الألسنيّة العامّة، تر: يوسف غازي ومجيد النصر، دار نعمان للثقافة – لبنان، دون تاريخ ودون طبعة
الحاج، كمال يوسف، في فلسفة اللغة، الطبعة الثانية – 1978م ، دار النهار – بيروت
يُنظر الحاج، ص: 22، ويُنظر رأي قريب من هذا للسيوطي في المزهر، ج: 1
قدور، أحمد، المدخل إلى فقه اللغة العربية، جامعة حلب، دون طبعة، 2003م
يُنظر: أنيس، إبراهيم، الألفاظ ومعانيها كانت رموزاً لدلالاتها، مجلة العربي الكويتية، العدد: 100، آذار 1967م
1 komentar:
^Bocah Edan™ ..
^DEEVRO™ IS CRIME !!
^Hacker Blitar Sejati™..
^NEO DEEVRO™..
^BACEMGAKURE™..
^BLITAR™ WAE..
tHnKz 4 Visit.. ^_^
salam Damai dari Blogger BLITAR..
Untuk Tukar LINK silahkan Klik Link INI..
Posting Komentar